ما وراء الكواليس:
حلّ لغز البيروقراطية في آلة الموت السورية

منذ الإضطرابات الأولى التي شهدها مطلع العام 2011، حينما تجرّأ السوريون على الانتفاض بوجه قبضة نظام الأسد الحديدية،حيث تيقّنوا أنّهم يواجهون جهاز دولة خطير لن يتردّد في مراقبتهم واعتقالهم و تعذيبهم.

وبينما نمت الثورة، انطلق محققو لجنة العدالة الدولية والمحاسبة (CIJA)، في الظلّ، في مهمةٍ سريةٍ مضنيةٍ ألا وهي جمع أدلّة تسمح بتحديد مرتكبي جرائم الحرب رفيعي المستوى في النظام السوري. وقد تمكّن المحقّقون من الحصول على أكثر من ذلك بكثير؛ فعلى مدار عقد من الزمن، تحدّوا الصعاب كافة، ونقبوا عن كنزٍ ثمينٍ من الوثائق الصادرة عن النظام بلغ عددها أكثر من 1.3 مليون صفحة. ولم تكن تلك الصفحات مجرّد حبرٍ مخطوطٍ على ورقٍ، بل كانت تسرد ما تمخّض عن سلطة عدوانية وشبكة معقدة من الأوامر والتعليمات والتعاميم والتقارير والدراسات التي تدفقت عبر سلسلة القيادة، وكشفت عن الإجراءات المتطرّفة التي سيلجأ إليها النظام ليحافظ على قبضته الحديدية على الدولة. 

نفى النظام السوري التقارير الأوّلية عن التعذيب والاعتقالات الجماعية والقتل. ونسبت الحكومة أعمال العنف التي تمّ الإبلاغ عنها في العام 2011 إلى ما وصفته "بالجماعات الإرهابية المسلّحة"، وزعمت أنّ تلك الجماعات هي من بدأت أعمال العنف وزعزعت استقرار البلد. فتبنّت الحكومة هذه السردية لتبرّر استخدام القوّة كوسيلة لإرساء النظام والمحافظة على الأمن القومي. وفي حال تمّ الإقرار بأيّ جريمةٍ، فكانت عادةً ما تُنسَب إلى أفراد متمرّدين لا إلى سياسة تنتهجها الدولة. 

ولكنّ وثائق النظام نفسها رسمت صورةً مختلفةً تمامًا. وكما يظهر هذا التقرير، فإنّ النظام السوري كان يعلم أنّ المتظاهرين يطالبون بالحرية والديمقراطية، ومع ذلك، لم يتوانَ منذ بداية العام 2011، بوضع و تنفيذ سياسات تهدف إلى قمع المعارضة بالقوّة . وبهذه الطريقة، كان النظام، على أعلى مستوياته، يعلم أنّه يستهدف مدنيين أغلبهم من الأطفال، في مختلف المحافظات التي تشهد مظاهرات. كان النظام يعلم أنّ ردّ فعله عنيفٌ جدًا لدرجة دفعت بيروقراطيّته إلى الاشتكاء من تزايد عدد القتلى، إلّا أنّه لم يحرّك ساكنًا لتوقيف المسؤولين أو منعهم أو معاقبتهم. يركز هذا التقرير على ثلاثة تغييرات محدّدة في استراتيجية النظام لسحق المظاهرات. في ثلاثة فصول مختلفة نفّذها النظام في كل من شهر نيسان/ أبريل وآب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر من العام 2011، حيث صعّد النظام تكتيكاته إلى مستويات يعجز العقل عن تخيّلها، ما ألقى بظلاله القاتمة على تطلّعات السوريين التوّاقين إلى الحرية